كادت تطير فرحا.. لم تكن مصدقة أنه أمامها الآن .. وأنها تراه بعينيها .. وأنها وبعد مرور ما يقارب العام بمقدورها الآن أن تحتضنه .. وتختبئ بين ذارعيه..وتبكى
ولكنها تماسكت أو بلأحرى حاولت أن تبدو كذلك ...فلابد قبل أى شئ من قليل من العتاب كى لا تفضحها مشاعرها .. فهى من ذلك النوع من البشر الذى لا يحب أن يفصح بسهولة عما بداخله ..
كانت صامتة .. ساهمة .. تتأمله بشوق وهى تفكر فيما يجب أن تقول ..
فبادرها هو قائلا :أتعرفين أننى اشتقت إليكى؟ كيف استطعتى البعاد يا قاسية القلب؟
كانت همساته ذات أثر سحرى على نفسها حتى انها انهارت كل قواها وراحت الكلمات اللى كانت أعددتها من قبل وقالت : أنا ؟ قاسية القلب؟ ثم تنهدت قائلة : ألست مقتنعا بأنك كنت السبب فيما حدث؟ ألست .. قاطعها قائلا : بلى , ولكن أيعنى ذلك أن نفترق بهذه الشكل؟ أما تعاهدنا أن نسمو بحبنا كى يكون أكبر من كل الظروف والعقبات والتفاهات؟؟؟؟
تعلمين كم أحبك..وكم أعشقك.. وكم أغار عليك..كنت أظن أنكى ستقدرين ذلك وتتجاوزى..ولكن هذا العناد .. آآآآخ من هذا العناد ..
أنتى عنيدة .. وأنا أحبك ..فلم هذا العناد؟إنتظرتك كثيرا .. كنت أراكى فى كل شئ .. كنتى دائما معى ..كنتى .. قاطعته قائلة بلهفة.. وأنا أيضا .. ثم صمتت ونظرت اليه بعينين دامعتين ..
فرأى فى عينيها نظرة إشتياق ممزوج بالفرح المبلل بالدموع..قال لها : ياااااااااه .. كم اشتقت لهذه العيون .. اشتقت للسفر فيها والابحار فى عمقها
لم تستطع الصمود أكثر من ذلك , فوجئت بنفسها تحتضنه بحنين جارف وتختبئ بين ذراعيه كطفل خائف من شئ ما ,وأخذت تبكى قائلة : لا تتركنى أرجوك , أبدا لا تتركنى , فراقك موتى , ووصالك بعثى , أنا الآن بعثت من جديد .
وأخذت تبكى وتبكى .. استيقظت من نومها أيضا وهى تبكى .. حين استفاقت , تلفتت يمينا ويسارا .. كأنها تبحث عنه .. ولكنها لم تجده .. كانت على فراشها الوثير .. مستلقية .. وحيدة .
أخذت تتأمل سقف غرفتها وهى تفكر فيما رأته فى هذا الحلم الجميل .
تعجبت كثيرا , أليس هذا من كانت تقنع نفسها بأنها نجحت فى نسيانه؟
وأن علاقتها به صارت فى غبار الماضى؟
وأنه لم يعد سوى درب من الذكرى ؟
ماذا يعنى ذلك إذن؟
بالتاكيد ما راته بمنامها له دلالة كبيرة على شئ ما .. شئ لا تجرؤ على الإعتراف به .
ولكن .. كيف ذلك؟
ألم يقولون بأن البعد جفاء؟
وأن البعيد عن العين بعيد عن القلب؟
فلماذا إذن كل هذا الحنين؟أرهقها التفكير, فقررت أن تنهض من فراشها وتغسل وجهها ربما تفيق مما هى فيه, ثم توجهت إلى شباكها ففتحته.. وأخذت تتأمل السماء وقت الغروب ..
فسمعت صوتا بعيدا ينساب إلى أذنيها كأنه قادم من عنان السماء ..
أطرقت السمع قليلا .. كان صوت أم كلثوم تشدو :
كل نار تصبح رماد .. مهما تقيد
إلا نار الشوق .. يوم عن يوم تزيد
حينها شعرت بيقين ذلك الشئ المخبأ داخل اعماقها ولم تفلح الايام فى اقتلاعه
أطرقت قليلا .. تنهدت بعمق..
ثم ابتسمت